قد تخونك قوتك الداخلية في التعامل مع المشكلات التي تمر بها، قد يصادقك القلق والتوتر، ويصاحبك الشعور بالهم والغم، وفقدان طعم الحياة وكل جميل بها، قد يتملكك الملل من كل شيء حولك وتستيقظ كل صباح وأنت لا تعرف لماذا ؟. تشعر وكأنك في صراع دام طويلا مع أحداث حياتك والآن أنت منهك، مستسلم، منهزم، أو بلفظ أدق لم تعد تعرف من أنت وماذا تريد.
هنا اسمح لي عزيزي القارئ اذا كان ما سبق ينطبق عليك فأنت مصنف ضمن 10% تقريبا من سكان العالم الذين يعانون من الضعف النفسي.
_ مفهوم الضعف النفسي:
الضعف النفسي بصفة عامة يشير إلى الشعور بعدم امتلاك القدرات والإمكانيات اللازمة للتعامل والتكيف مع التحديات اليومية في الحياة بشكل فعال والي يترجم في صورة مجموعة من الأعراض مثل الاكتئاب، العزلة، الملل، ضعف الثقة بالنفس، التسويف، عدم الإنجاز .
_ أسباب الضعف النفسي:
1- أين يذهب وقتك؟
العامل الأكبر لدخولك في متاهة الضعف النفسي هو ما الذي تقضي فيه وقتك؟ ففي عصرنا الحالي تجد الغالبية العظمى ان لم يكن الجميع يمر يومهم على وسائل التواصل الاجتماعي دون شعور بمرور الوقت الذي قد ينسيهم طعامهم وعائلاتهم ودراستهم وأعمالهم فقط يسرقهم من الحياة.
الجانب الأخطر من ذلك هي نوعية ما يشاهده أو يتابعه الأشخاص على هذه المواقع التي تتسم بالزيف والتظاهر والكذب في أغلب الأحيان والمعلومات الخطأ والتفاخر بما ليس حقيقي بما يجرف من يتابعه في دوامة المقارنات والشعور بالضعف والخزي ومن ثم ( أسرع تاكسي إلى تعب نفسي ).
2-ماذا يقول لك صوتك الداخلي؟
لا يخفى على أحد الصوت الذي يدور برأسه 24 ساعة في اليوم حتى أثناء نومه، القليل منه إيجابي والمعظم سلبي ناقد يجلد صاحبه. وهذا الصوت الداخلي الناقد هو عامل شديد الخطورة لأنه مألوف بالنسبة لك، يوحي لك بداخلك وكأنه جزء منك فلا تقاومه وتصدقه. وما يدعمه أكثر أنه يأتي بنية الحفاظ عليك وحمايتك، فمثلا عندما تقوم تهم للقيام بمهمة معينة يمنعك عن ذلك بأسباب ومبررات تقنعك بألا تفعل فقط لأنه يخاف عليك أن تفشل .وهنا توافق على ايحاءاته لك، فتحكم سيطرته عليك للدرجة التي تجعلك تفقد هويتك أمامه وتنساق وراء توجيهاته فتصدق بانك ضعيف، وغيرك أفضل، وانك لا تستحق، ولن تصل، ولا تحاول، ولا تغير ….. الخ من الأمور التي تغلق بوجهك بوابات الحياة ويأتيك التوتر والقلق والعزلة من أوسع الأبواب ( وساعتها بقى يا حلو…!).
3- هل ترى النور وتشرب من نصف الكوب الممتلئ؟
في الحقيقة الحياة بكل لحظة تمر بنا تمثل تحدي لنا حتى اللحظات الحلوة منها، فهي تتحداك أن تستمتع بها وتحتفظ بطعمها، وتصدق أنك تستطيع استدعاءها مرة أخرى.
فهل أنت ترى في ظلمة مشاكلك نور الحل والبهجة التي زارتك من قبل في مواقف مشابهة؟
هل تصدق أنك تمتلك خيارات من رب العالمين تستطيع استخدامها ولو بالقليل والمتاح حاليا والذي سيجلب الكثير وغير المتاح؟
هل تروي عطش قلقك وارهاقك من نصف الكوب الممتلئ بالرغم من كون النصف الآخر فارغ ولا تركز على ذلك وتستمر بسعيك واجتهادك، وتؤمن بقدرتك على ملئ خزان وليس كوب؟ أم أنك تستسلم لوهم الخوف والأفكار المشتتة التي تفرغ قواك على عتبة ما لا يفيد. تطفئ كل أنوار الأمل وتفضل الجلوس بعتمة النفس وتسمح لها أن تتخلل بظلامها خلاياك،
ترى كيف ستتحرك عزيزي بكل هذا الظلام ؟ (خلي بالك من السلمة المكسورة).
بالرغم من أن هذه فقط ثلاثة أسباب إلا أنها تحتوي بداخلها كل الأسباب الفرعية التي تجلب الإرهاق النفسي بكل صوره،
الآن دعنا فقط نسمع صوت قلبك دون أن نقاطعه أو نناقشه فقط دعه يتحدث وأنصت الفهم..
– ماذا يعني لك ” أنا قادر” ؟
بمعنى أدق،، هل تردد بداخلك أنك قادر؟
واذا كنت تقول ذلك هل تؤمن به؟
وان كنت تؤمن به هل تنفذه وتراه بكل المواقف أم أنك تعجز عن المواجهة؟
القدرة النفسية والإيمان بإمكانيات الفرد والثقة بذاته أهم الأساسات الواجب توافرها حتى يستطيع الفرد التغلب على الصعاب التي تواجهه . لقد خلقنا الله عز وجل وهو العليم بأحوال الدنيا وتقلباتها فأعطانا الهبات التي تساعدنا على العبور والتعامل الناجح مع الحياة فهو لا يظلم الناس مثقال ذرة . ولكن أنت في الحياة كمن يبحث في متاهة عن الكنز يجب أن تستمتع ببحثك وتوقن كامل اليقين أن هناك كنز وأنك “لن تبرح حتى تبلغ” وستصل وتبلغ لأن الله تعالى وعدك بذلك.
– في نظرك من هو أنت؟
أنت ما جمعته من أموال، ما حققته من إنجازات، ما أعطاك الحظ من فرص، المناصب التي شغلتها، الشهرة التي حققتها، القصر الذي تعيش فيه، السيارة التي تسير بها، عائلتك، أولادك، أحفادك، أصدقاءك… من أنت؟؟؟
حقا قد يميزك كل ما سبق، قد يكون جزء من هويتك أو كلها في نظرك ولكن، ماذا لو فقدت أحد هذه المعالم ، أو تضاءلت الواحدة تلو الأخرى؟ هل ستفقد وقتها هويتك ؟ هل ستستطيع أن تعرف من أنت..
عزيزي القارئ أنت من صنعت هؤلاء، أنت بذرة الحياة التي تنبت وتزهر بأي طريق تحسن فيه استخدام عطايا الوهاب لك،
تخيل أنك تستطيع الوصول لأي هدف تتمناه اذا سلكت نفس الظروف ونفس أسلوب التفكير، والعلم الذي يتطلبه هذا الهدف أيا كان الهدف. فقط آمن وابدأ السعي بما تمتلكه الآن وحافظ على الاستمرار ولاحظ الفرق.
– ماذا ترى منك الحياة عيون الصقر أم مقاس ظهرك؟
هناك خياران لا ثالث لهما نرى بهما الحياة الأول هو عيون ترى بنور الله تعالى، تبصر الحل في قمة الأزمات، تبحث بشغف وترحيب لما تعطيه الحياة رغم قسوته لأنها تثق بوعد الله تعالى “إن مع العسر يسر” فتمر مع المر الذي يمر حتى ينجلي وتبحث عن الفوز في لعبة الحياة وتنتظره مهما طال فهي توقن بأنها هذه الشدة الوجه الآخر لها هو الفلاح وتستعد له.
أما الخيار الثاني فهو مساعدتك لحياتك أن تعلم مقاس ظهرك فأنت تديره لها ولا ترى منك إلا هو، فتارة تروح يمينا، وتارة ترميك أرضا، وأخرى تجرك جرا، وأنت معها مثل ما تذهب تطيع ولا تحرك ساكن، وهنا اعذرني عزيزي لا تحزن اذا داستك أقدام الأقدار.
– كيف تستقبل يومك الجديد؟
جميعا ننام بنفس الليل ونستيقظ على ضوء نفس الشمس، ولكن لكل منا طريقته الخاصة باستقبال يومه.
هناك من يرى أمسه في صباح يوم جديد ليس له أي ذنب فيما جرى به سوى أنه جاء بعده، وهناك من يحمد ربه على نعمة جديدة وفرصة لتغيير قدره إلى الأفضل.
هل تنام باكيا من شعورك بالعجز وقلة الحيلة أمام مصاعب يومك وتحتفظ بكل هذا وتسلمه يدا بيد لا تنقص منه شيئا إلى غدك ومنه إلى الغد والغد والغد.. أم أنك تسير بمتاهات الحياة وتحدياتها بثقة أنك تمتلك الحلول وتتقبل أنك حاليا قد لا تعرفها ولكنك على ثقة بأنك ستتعلم وتعرفها وترضى بمراحل التعلم وتصطبر عليها فأنت تمرن عضلاتك لمعركتك مع الحياة.
اسمح لي عزيزي القارئ أن أتوقف هنا قليلا فقد أثقلت كاهل قلبك بالتساؤلات ولأنه غال علي سأعطيه الفرصة كي يتأمل ويجيب ويبوح بأسراره لك علك للمرة الأولى تستمع لصوته وتعرف أنك تحتاج أن تنصت وأنه يستغيث كي يسمع .
Leave a Reply